أخبار عاجلة

التجسس خلال الحروب وكيفية تبادل الجواسيس ـ أُنموذَج روسيا،أمريكا وإيران

جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب

عادة ما يتم تبادل الأسرى عندما تبدو هذه الخطوة مفيدة  ويمكن أن يكون بمثابة عامل لبناء الثقة بين الدول المعادية . خلال الحرب الباردة، عندما تم اعتقال الجواسيس بشكل متكرر على جانبي الستار الحديدي، تبادلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الأسرى دون التأثير بشكل كبير على العلاقات. إيران ليست الدولة الوحيدة التي تخضع سلطتها القضائية لسيطرة الحكومة واستخدام السجناء ورقة مساومة.  هيمنت عملية تبادل بريتني غرينر الحائزة على الميدالية الذهبية الأولمبية مرتين على عناوين الأخبار في ديسمبر 2022. تم القبض على لاعبة كرة السلة في روسيا بعد العثور على مواد مخدرة ممنوعة “القنب” في أمتعتها. كان ثمن عودتها باهظًا، حيث تم استبدالها بتاجر الأسلحة الروسي السابق فيكتور بوت، الذي غالبًا ما يشار إليه من قبل وسائل الإعلام باسم “تاجر الموت”.

 إيران والولايات المتحدة، تبادل السجناء مابين

بغض النظر عن مدى تدهور العلاقات بين الدولتين، فإن معظم الدول عادة ما تكون قادرة على التفاوض على تبادل السجناء. ويشمل ذلك “الخصمين” إيران والولايات المتحدة، اللتين قطعتا العلاقات الدبلوماسية بعد أزمة الرهائن الإيرانية عام 1979. إن عملية تبادل 10 سجناء منتصف شهر سبتمبر 2023 كانت لافتة للنظر بسبب العدد الكبير من عمليات التبادل.  لا يكون عامة الناس مطلعين على تفاصيل مثل هذه الاتفاقيات بين الدول وفي القضية الحالية، والتي تعتبر كبيرة بشكل خاص حيث يتعلق الأمر بعشرة سجناء، يلعب العنصر المالي أيضًا دورًا  وبعد عملية تبادل السجناء الأخيرة، ستتمكن طهران من الوصول إلى ما قيمته 6 مليارات دولار (5.6 مليار يورو) من الأصول المجمدة حاليًا في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات المفروضة على إيران.

أطلقت إيران في عام 2019، سراح عالم التاريخ الأمريكي شيويه وانغ إلى الولايات المتحدة، في عهد إدارة ترامب آنذاك.  تم القبض على طالب الدكتوراه في جامعة برينستون في إيران عام 2016. وبعد اتهامه بالتجسس، حكمت عليه محكمة ثورية بالسجن لمدة 10 سنوات في أبريل 2017. وقضى وانغ جزءًا من عقوبته في زنازين تحت الأرض في سجن إيفين شديد الحراسة سيئ السمعة.  وكان وزير الخارجية الإيراني في ذلك الوقت، قد بدأ عملية تبادل وانغ في أبريل 2019. وأراد استخدام الصفقة للإفراج عن المواطنين الإيرانيين المحتجزين في السجون الأمريكية بسبب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران.

تحتجز إيران بشكل متكرر مواطنين مزدوجي الجنسية أو مواطنين أمريكيي  وفي ديسمبر 2019، وبعد وساطة سويسرية، وافقت الولايات المتحدة وإيران على مبادلة وانغ بعالم الخلايا الجذعية الإيراني المسجون مسعود سليماني . كذلك في وقت سابق تم إطلاق سراح اثنين من مدوني السفر الأستراليين من سجن إيفين – وكانا أيضًا متهمين بالتجسس.  وفي مقابل المدونين، أفرجت كانبيرا عن الأكاديمي الإيراني رضا دهباشي كيفي، الذي طلبت الولايات المتحدة تسليمه.

تبادل الجواسيس بين طهران وبروكسل

وصل دانماركي ومواطنان نمساويان من أصل إيراني إلى بلجيكا يوم الثالث من يونيو 2023 بعد أن أفرجت إيران عنهم، وكان في استقبالهم وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب ودبلوماسيون دانماركيون ونمساويون.وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن طائرة صغيرة أقلت الثلاثة وهبطت في مطار ميلسبروك العسكري على أطراف بروكسل قادمةً من العاصمة العمانية مسقط.وكانت متحدثة باسم الحكومة البلجيكية قالت إن إيران أطلقت سراح ثلاثة أوروبيين آخرين مقابل الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي ضمن صفقة تبادل السجناء بين إيران وبلجيكا، والتي شهدت إطلاق سراح عامل الإغاثة البلجيكي أوليفييه فاندكاستيل.

روسيا والولايات المتحدة تبادل سجناء

احتجزت روسيا مراسل صحيفة وول ستريت جورنال للاشتباه في قيامه بـ”التجسس لصالح الحكومة الأمريكية” يوم 30 مارس 2023 في مدينة يكاترينبرغ للاشتباه في قيامه بالتجسس . الصحيفة نفت التهمة “بشدة” وأكدت أن إيفان جيرشكوفيتش حاصل على اعتماد من الخارجية الروسية. وعمل غيرشكوفيتش، الذي يغطي الشأن الروسي منذ 2017، من قبل لدى صحيفة “ذا موسكو تايمز” وفي وكالة الأنباء الفرنسية.وفي أعقاب ذلك،صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، بأن الخارجية الأميركية على اتصال مباشرمع الحكومة الروسية بشأن احتجاز الصحفي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، بتهمة التجسس.

غيرشكوفيتش هو أيضًا أول مراسل يعمل لصالح وسائل الإعلام الأمريكية يتم القبض عليه في روسيا بتهمة التجسس منذ الحرب الباردة. في واحدة من آخر الأعمال الدرامية للحرب الباردة في عام 1986 ، تم القبض على نيكولاس دانيلوف من قبل الحكومة السوفيتية انتقاما لاعتقال جاسوس سوفيتي في الولايات المتحدة. اتهمت موسكو باعتقالات ذات دوافع سياسية ليست هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها صحفيون روس أو أجانب أنفسهم محتجزين بعد تغطية انتقادية للحرب. حكمت روسيا خلال عام 2022 على مراسل الدفاع السابق ، إيفان سافرونوف ، بالسجن 22 عامًا بتهمة الخيانة.

تبادل السجناء : تخفيف حدة التوتر في العلاقات الدولية

أعلنت روسيا  يوم 16 أغسطس 2022عن “استعدادها” للبحث على المستوى الرئاسي في عملية تبادل سجناء مع الولايات المتحدة، ما عدها محللون “خطوة ستسهم في تخفيف حدة الاحتقان والتوتر في مشهد العلاقات الدولية على خلفية الأزمة الأوكرانية”. وجاءت التصريحات الروسية غداة الحكم بالسجن تسع سنوات على نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غراينر في قضية مثيرة للجدل تتعلق “بتهريب مخدرات”، حيث وصف الرئيس الأميركي جو بايدن إدانة البطلة الأولمبية بأنها “غير مقبولة”، واتهمت الولايات المتحدة موسكو باستغلال قضيتها لانتزاع تنازلات من واشنطن.

وفي وقت سابق أعلنت واشنطن أنها قدمت “عرضا مهما وجديا” لموسكو للإفراج عن غراينر وأميركي آخر معتقل في روسيا هو بول ويلان يقضي عقوبة بالسجن 16 عاما بتهمة التجسس، مقابلفيكتور بوت وهو تاجر أسلحة روسي شهير مسجون في الولايات المتحدة، لكن الخارجية الروسية ذكرت أنه لا يمكن مناقشة تبادل قبل صدور الحكم. وتعد عملية تبادل الجواسيس، التي تمت في العام 2010 من أكبر العمليات التي عرفتها واشنطن وموسكو منذ الحرب الباردة. خلالها اتفقت موسكو وواشنطن على تبادل عشرة عملاء روس اعتقلوا في الولايات المتحدة مقابل اربعة روس سجنوا في روسيا بتهمة التجسس لحساب الغرب.

آلية تبادل الجواسيس بين الحكومات 

تحديد الهوية والاعتقال : التعرف على الجواسيس المتورطين،  يمكن أن تكون هذه عملية طويلة ومعقدة تتطلب جمع معلومات استخباراتية وأعمال مراقبة كبيرة

التفاوض:  تجري هذه المفاوضات عادةً بين كبار المسؤولين من الحكومتين المعنيتين ، غالبًا بمساعدة وسطاء أو دبلوماسيين من أطراف ثالثة.  وتحدد المفاوضات شروط التبادل ، بما في ذلك الجواسيس الذين سيتم تبادلهم ، ومكان التبادل ، وأي شروط أخرى يجب الوفاء بها.

السرية والأمن : نظرًا لأن عمليات تبادل التجسس حساسة ومن المحتمل أن تكون خطرة ، فإن السرية والأمن لهما أهمية قصوى.   عادة ما يتم إجراء المفاوضات والاتصالات بين الحكومات المعنية من خلال قنوات آمنة ، ويتم الحفاظ على سرية تفاصيل التبادل حتى اللحظة الأخيرة لتجنب التسريبات أو الاضطرابات.

وثائق السفر : بمجرد الاتفاق على شروط التبادل ، يجب تخطيط وتنفيذ لوجستيات التبادل.  يمكن أن يشمل ذلك ترتيب نقل الجواسيس ، وإعداد وثائق السفر، والتنسيق مع مسؤولي الأمن لضمان عملية التبادل.

نشاط وكالات الاستخبارات خلال الحروب

تلعب وكالات الاستخبارات دورًا حاسمًا في ضمان نجاح العمليات العسكرية  يمكن للمعلومات التي تجمعها وكالات الاستخبارات أن تساعد القادة العسكريين على اتخاذ قرارات صحيحة، مما يمنحهم ميزة استراتيجية في المعارك والحروب. غالبًا ما يكون عمل وكالات الاستخبارات خلال أوقات الحرب محاطًا بالسرية .

تُعتبر وكالات الاستخبارات مسؤولة عن جمع وتحليل ونشر المعلومات التي يمكن استخدامها لدعم العمليات العسكرية.  يمكن أن تأتي هذه المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر ، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية والاتصالات التي تم اعتراضها ونشطاء على الأرض.

خلال أوقات الحرب غالبًا ما يتم تكليف وكالات الاستخبارات بتقديم معلومات حول القدرات العسكرية للعدو ونواياه وتحركاته وقدرات التسلح. تلعب وكالات الاستخبارات أيضًا دورًا رئيسيًا في تحديد وتحييد التهديدات للعمليات العسكرية.  ويشمل ذلك تحديد الهجمات الإرهابية المحتملة والتخريب والتجسس.  تعمل وكالات الاستخبارات بشكل وثيق مع الجيش ووكالات إنفاذ القانون للتحقيق في التهديدات المحتملة واتخاذ الإجراءات لمنع حدوثه.  مع استمرار نشوب النزاعات والحروب في أنحاء العالم ، سيظل دور وكالات الاستخبارات فاعلاً.

أهمية العنصر البشري في عالم الاستخبارات

لم تعد تراهن أجهزة الاستخبارات كأجهزة الاستخبارات الصينية كثيراً على التجسس البشري في المستويات الكبيرة والخطيرة مدنية كانت أوعسكرية وإنما تستبدل بها وسائل حديثة من اقتحامات الذكاء الاصطناعي، وبعض الاختراقات لا يمكن إثبات من وراءها كذلك لايقع ضحايا من البشر من جرائها في 28 يناير 2023. رغم التكنولوجيا والعولمة والتقنيات يبقى العنصر البشري هو الأهم في عالم الاستخبارات حتى وكالة “ناسا” بقدراتها الفنية والتقنية الحديثة لا تستطيع ان تقوم بمهام العنصر البشري، لذا لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري في عالم الاستخبارات رغم استخدامات الذكاء اللأصطناعي والرقمنة والخوارزميات.

يقول “بيتر ريليي” رئيس جهاز المخابرات السويسرية السابق “بدأت كافّة أجهزة الإستخبارات الصغيرة منها والكبيرة تستخدِم أكثر فأكثر وسائط التواصل الإجتماعي ومحرك غوغل وهلُمَّ جَـرّا. مع ذلك يبقى العملاء الأشخاص هم الوسيلة الأكثر أهمية”. عندما يقوم جهاز الإستخبارات بدراسة حالة ما فإنه دائما ما يسأل نفسه “ما الذي يدور في ذِهن الخصم؟” ولمعرفة ذلك يُمكن بالطبع مُراقبة بَـريده الإلكتروني أو هاتفه لكن في نهاية المطاف لابد من الإتصال الشخصي لأنه لا يمكن لأي وسيلة أخرى أن تنوب عنه لمعرفة ماذا يدورفي ذهن “الخصْم “ومن هنا تأتي مهمّة العميل”.

النتائج

ـ يـُعد عمل وكالات الاستخبارات خلال أوقات الحرب أمرًا بالغ الأهمية ، لأن المعلومات التي تقدمها يمكن أن تساعد القادة العسكريين في اتخاذ قرارات صحيحة حول مكان نشر القوات وكيفية التعامل مع الخصم

ـ إن خلفية مراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، تُشجع لأان يكون صيداُ ثميناً لإلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيةCIA  ويعود ذلك : كونه من أصول روسية، هاجرت عائلته إلى أوروبا ثم إلى الولايات المتحدة، يجيد اللغة الروسية، ومضى بالعمل داخل روسيا منذ عام 2017 .

ـ الظرف : هناك حرب أوكرانيا، وهناك توتر بالعلاقات الثنائية مابين روسيا والناتو والغرب، يجعل الأطراف بحاجة إلى جمع المعلومات، في مجالات التجسس التقليدي، رغم ان التجسس في زمن العولمة واستخبارات المصادر المفتوحة تعتبر مصادر مهمة للاستخبارات، يبقى العنصر البشري، العنصر الأهم في عمليات التجسس، فماتقوم به وكالة”ناسا” على سبيل المثال، لايمكن تعوضها العنصر البشري في جمع المعلومات  والتجسس.

ـ توتر العلاقات: ن توتر العلاقات بين موسكو والغرب، وترقب الجميع “معركة الربيع” التي من المحتمل ان تكون معركة دروع ودبابات، ووجود الصحفي الإمريكي ، قرب مجمع صناعي في مدينة روسية وتسليمه معلومات الى “عميل” يحمل الجنسية التشيكية” يعني إن واشنطن تحتاج الى جمع المعلومات حول قدرات روسيا في التصنيع وخاصة الدبابات والدروع التقليدية.

ـ اجراءات مشددة: خلال الحروب تعتمد الدول اجراءات أكثر شدة وتفرض رقابة أكثر على مواقعها خاصة العسكرية، وحركة القوات وغيرها من التفاصيل التي ممكن ان تمثل أهتماما للتجسس التقليدي. وتكون الحكومات أكثر حساسية بالتعامل مع تهديدات الأمن القومي والجواسيس المحتملين.

ـ القنوات الدبلوماسية والسرية : إن عمليات تقديم الخدمات القنصلية للسجناء وتبادل السجناء مطلوبة، وعلى سبيل المثال شهدت موسكو والولايات المتحدة، حالات عدة في تبادل السجناء، ابرزها خلال عام 2010 وعام 2018 ، لكن انخراط صحفي في عمليات تجسس ربما كانت محدودة،بعض المعلومات تقول كانت هناك حالة واحدة خلال الايام الأخيرة من الاتحاد السوفياتي. وهذا يعني، أنه رغم الضجه الإعلامية في أعتقال جواسيس، دائما تكون هناك سرية وتهدئة في عمليات تبادل الجواسيس أو السجناء.

ـإن مثل هذه الصفقات بين الولايات المتحدة وروسيا تخلف أيضاً عواقب على الشركاء الغربيين، الذين يضطرون إلى دفع “أثمان” مماثلة .

ـ وبعيداً عن المتاجرة بأسرى الحرب، فإن المساومة على السجناء السياسيين تتسم بقدر أكبر من الابتزاز. لا تخلو صفقة تبادل الأسرى الحالية بين طهران وواشنطن من الجدل، حتى في الولايات المتحدة.

ـ تعمل الحكومات في عمليات تبادل السجناء أو الجواسيس في آلية دقيقة وضمن خطوات متتالية وهي : تحديد اسماء المطلوب تبادلها، إعتماد السرية عبر القنوات الديلوماسية والاستخباراتية بدل وسائل الإعلام، الأتفاق على مكان تبادل السجناء، الأتفاق على دولة وسيطة ثالثة، ثم تنفيذ الأتفاق وغلق الملف.

ـ إن عمليات تبادل الجواسيس، من شأنها أن تبعث رسالة الى جواسيس الدولة المعنية، بانها تقف ورائهم وممكن اخراجهم من الحجز حتى وان وقعوا في الأسر.

ـ بات متوقعاُ ان تقوم إيران باحتجاز مواطني مزدوجي الجنسية، بتهمة التجسس، والتفاوض من جديد مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة من أجل عقد صفقة تبادل السجناء.

بات متوقعاً، ان ترد الولايات المتحدة على روسيا بالقبض على شخص روسي يعمل في الولايات المتحدة او ربما في دول أوروبا، وان حدث هذا فسوف يزيد القضية تعقيدا. وفي سيناريو آخر من المرجح، ان تكون تهدئة وتكون اتصالات عبر القنوات الدبلوماسية، لتبادل السجناء.

عن إعرف عدوَّك

شاهد أيضاً

عن الحرب النفسية في خطاب السيد نصرالله: ليست فقط القنابل ما يحسم المعركة

الكاتب: زينب عقيل عندما سرت شائعات حول مرض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله …

اترك تعليقاً